الجمعة , نوفمبر 14 2025

حسين فهمي: ترميم الأفلام مهماً للحفاظ على التراث الفني والهوية العربية ومقاومة ضد النسيان”

متابعة/ هبة شوقي(القاهرة) 

​في الندوة التي حملت عنوان «الترميم الرقمي للأفلام»، دار نقاش تجاوز التقنية إلى الفلسفة، وتخطى الحواسيب إلى الإنسان نفسه… على المنصة جلس ثلاثة من الذين يؤمنون أن الصورة تحفظ الروح… #الفنان_ حسين_ فهمي_ رئيس_ مهرجان_القاهرة_السينمائي_الدولي_، والمخرج تامر السعيد مؤسس سيماتك، والباحث د. أوسين الصواف، بينما أدارت اللقاء الإعلامية ماجي بصوت واثق يجمع بين الدقة والاحتفاء.
​بصوت هادئ يحمل نبرة من التجربة، استهل حسين فهمي حديثه مرحباً بالحضور، ومشدداً بالقائمين على الندوة، قبل أن يفتح باباً واسعاً على جوهر القضية قائلاً: “برامجنا هذا العام مميزة، لكن ما يهمني حقاً أن يشاهد الجمهور الأفلام المرممة، لأنها ليست مجرد أعمال قديمة، بل تاريخنا المرئي ذاته. التفاعل مع هذه الأفلام هو تفاعل مع ذاكرتنا الجماعية”.
​لم يتحدث حسين فهمي كمجرد فنان أو كرئيس مهرجان، بل كرجل يتعامل مع الذاكرة بوصفها واجباً ووطنياً. وكشف عن دوره كعضو مجلس إدارة في الشركة المسؤولة عن ترميم الأفلام، موضحاً أن المشروع بدأ العام الماضي بترميم عشرة أفلام مصرية كلاسيكية، من بينها بين “القصرين وقصر الشوق والحرام وشيء من الخوف”، واستكمل هذا العام بعشرة أخرى. قال: “لدينا أكثر من ١٣٠٠ فيلم في الأرشيف.. نعمل على ترميمها جميعاً بأحدث التقنيات، فالتكنولوجيا تغيرت، وأصبح بإمكاننا اليوم أن نعرض الفيلم كما لم يُرَ من قبل، لكن دون أن نفقد روحه”.
​ثم أضاف بحزم أقرب إلى بيان ثقافي: “الترميم ليس تجميلاً.. لا نعيد صياغة الفيلم، بل نعيد له الحياة كما كان… هذه مسؤولية أخلاقية تجاه من صنعوا مجد السينما المصرية”.
​أما المخرج تامر السعيد، فقد انتقل بالحديث من حقل الحفظ إلى حقل الفكرة. “لم يتحدث كفني في الأرشيف، بل كمثقف يرى في الترميم مشروعاً ثقافياً ممتداً”، قال: “منذ ٢٠١٢ ونحن في سيماتك نعمل على بناء علاقة جديدة بين المجتمع وصورته.. الترميم بالنسبة لنا ليس عملية ميكانيكية، بل فعل ثقافي مرتبط بالناس وثقافتهم.. نحن لا نحفظ الماضي كي نضعه في المتحف، بل لنتفاعل معه ونعيد قراءته في الحاضر”.
​وأوضح أن المركز أسس وحدة خاصة للترميم الرقمي، وأنهم يعملون وفق رؤية تقوم على احترام اللحظة التاريخية التي أنتج فيها الفيلم، قائلاً: “نحن لا نحاول أن نجعل الماضي بذوقنا المعاصر.. الترميم عندنا يشبه ترميم الآثار.. نزيل الغبار دون أن نعيد نحت التمثال”. وأشار إلى برنامج «ريماستر»، الذي استمر أربعة أشهر في سيماتك، حيث تعلم المشاركون تقنيات الترميم عبر العمل الفعلي على أفلام نادرة من أرشيف المخرجة عطيات الأبنودي. وكان من بين الأفلام التي عملوا عليها “حدوتة مصرية والعصفور وعودة الابن الضال وإسكندرية ليه” ليوسف شاهين.
​قال السعيد: “العصفور يُرمم للمرة الأولى رقمياً، وكان عملاً دقيقاً ومعقداً، لأنه ليس مجرد صورة، بل شهادة على زمن بأكمله.. نحن نتعامل مع الفيلم كما يتعامل عالم الأحياء مع محمية طبيعية.. نحافظ على توازنها دون أن نتدخل في طبيعتها”.


​الأرشيف العالمي.. حين تحفظ برلين ذاكرة الشرق. تحدثت ممثلة الأرسنال أرشيف برلين «شوقواني شولت شتراهاوس» عن التجربة الأوروبية في حفظ الأفلام، مستعيدة زمن من الحرب الباردة حين كانت الأفلام تهرب من أمريكا اللاتينية خوفاً من الرقابة السياسية، لتحفظ في أرشيف برلين كملاذ آمن.
​قالت: “حين بدأنا أرشيفنا، أدركنا أن كثيراً من هذه الأفلام العربية والأفريقية مهدد بالضياع.. المشكلة ليست في التقنية، بل في غياب التمويل.. الأرشيفات المحلية ​تجد دعماً، أما الأرشيفات العالمية التي تحتفظ بتراث شعوبها فلا تجد سوى الإهمال”.
​وتروي تجربة ترميم فيلم صامت استعانوا فيه بتسجيل صوت الممثلة الأصلية بعد عقود من تصويره، مؤكدة أن الترميم لا يعني صناعة فيلم جديد .. لا يمكننا خلق شيء من العدم وتسميته ترميماً.. نحن نحافظ على نية المخرج وإحساسه الأول”.
​تحدثت ممثلة جمعية جوسلين صعب قائلة: “الترميم بوصفه فعلاً أخلاقياً.. نؤمن أن الصور يجب أن ترمم بأيد عربية.. الترميم فعل ثقافي يرتبط بالذاكرة الجماعية، وليس مجرد خدمة فنية”.
​وأضافت أن مؤسستها أطلقت ورش عمل لتدريب المرممين في العالم العربي، لأن معظم الأفلام العربية ترسل إلى مؤسسات أوروبية لترميمها بتكاليف تتجاوز أحياناً تكلفة إنتاج الفيلم نفسه.
​”نحن نعمل على بناء قاعدة بيانات عربية تحفظ التراث وتعيد إنتاجه، ونسعى لتأسيس معمل مرايا للترميم الرقمي، حتى تكون للعرب لغتهم الخاصة في التعامل مع ذاكرتهم السينمائية”.
​الجمهور يسأل: من بين أسئلة الحضور، سأل مخرج دنماركي عن إمكانية تلوين الأفلام القديمة بعد الترميم، فكان رد حسين فهمي قاطعاً: “لا يجوز.. الفيلم يجب أن يبقى كما أنتج.. التلوين يفقده أصالته، ويشوه نية صانعه.. الترميم يجب أن يكون عملاً يحترم الماضي لا أن يعيد اختراعه”.
​وأضاف: الأفلام المرممة لا يجب أن تعرض تبقى في الأرشيف فقط، يجب أن تعرض على الجمهور، في قاعات السينما أو على المنصات الرقمية.. الترميم لا قيمة له إن لم يعد الفيلم إلى الناس الذين صنع من أجلهم”.
​حين انتهت الندوة، لم يخرج الحضور وهم يتحدثون عن تقنيات المسح الضوئي أو برامج الحفظ الرقمي، بل خرجوا يتحدثون عن الذاكرة..​فقد كانت كلمات حسين فهمي، وتامر السعيد، وممثلي المؤسسات الدولية والعربية، تتجمع في جملة واحدة غير منطوقة.. أن الترميم ليس عملاً تقنياً، بل فعل مقاومة ضد النسيان.

شاهد أيضاً

قبل آخر صفحة… من يقرّر ما يليها؟؟

كتب/زاهي حميّد / بيروت هي قصّة كاتب وجد نفسه يقف عاجزاً حائراً غير قادر على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *