الإثنين , يونيو 2 2025

محمد الباز… السائل في عروق الإعلام، والمتمرّد على القوالب الجاهزة

كتبت/ مايا ابراهيم

في زمن تتداخل فيه الحقيقة بالضجيج، ويتيه فيه #الخطاب_ الإعلامي_ بين التحريض والتطبيل، يبرز اسم #محمد _الباز_ كصوتٍ مختلف، يشبه التميمة التي تنكسر فيها التقاليد الصحفية لتُعيد تشكيل نفسها بمعايير أخرى، أكثر اشتباكًا مع الواقع، وأقلّ تملّقًا للجماهير.منذ بداياته في الصحافة المكتوبة، بدا الباز كمن يكتب تحت الجلد لا فوقه، يحفر في النصوص، ويزعج السائد. لم يكن مجرد صحفيٍ عابر على أرصفة المانشيتات، بل عقلٌ يتقصّد الإرباك ويثير الأسئلة، حتى في أكثر المساحات رهبةً؛ الدين والسياسة والثقافة.

حمل ريشته في “الفجر” ثم “الدستور”، وجعل من الصفحات منصاتٍ للتفكيك لا للتلقين. لكن محمد الباز، صاحب القلم الساخر واللاذع، لم يبقَ في برج الورق، بل عبر نحو الشاشة، وهناك، بدا أكثر خطرًا.في برامجه على “المحور” و”النهار” و”نغم إف إم”، لم يكن مذيعًا نمطيًا. كان مشاغبًا بملامح أكاديمي، يدمج بين حسّ الصحفي وهدوء الباحث، وبين غليان الداخل وحياد الكاميرا. يبتعد عن التزويق اللغوي ليصدم، ويفاجئ، ويقول ما لا يُقال عادةً، حتى لو دفع الثمن من شعبيته.

كثيرون لم يتفقوا مع نبرته، ولا مع صراحته التي تبدو أحيانًا كأنها خرقٌ مقصود للتوازن، لكنه ظلّ وفيًا لأسلوبه: لا يجامل على حساب عقله، ولا يُقايض موقفه بابتسامة زائفة.محمد الباز ليس فقط إعلاميًا أو كاتبًا. هو حالة فكرية تمارس التعرية بلا خجل، تُصادق القلق، وتكره الركون. حتى كتبه – من “حدائق المتعة” إلى “رهبان وقتلة” و”كأنه أنا” – هي وجوه مختلفة لكاتبٍ واحدٍ لا يطمئن للثبات، ويجد في الحفر في الطابوهات نوعًا من النجاة.ولأنه لا يهدأ، كان لا بد أن يثير الجدل. من موقفه من الخطاب الديني، إلى انتقاداته للفنانين، إلى سخريته من الشعارات الفارغة… يبدو دائمًا وكأنه يسير على حبلٍ مشدود، لكنه لا يقع، لأنه يعرف أن الجرأة حين تتكئ على معرفةٍ عميقة، تصبح شكلًا من أشكال الحكمة.في عصرٍ يغلب فيه التكرار، يظل محمد الباز من القلائل الذين يصنعون اختلافهم، لا بالتكلّف، بل بالشغف. هو ليس بوقًا، ولا متفرجًا. هو رجل قرر أن يكون في قلب المعركة، حتى لو اضطرّه ذلك أن يكتب وحيدًا، ويتكلم وسط صمتٍ مريب.

 

شاهد أيضاً

حسن م. يوسف… كاتبٌ يمشي على حدّ السيف

كتبت/ مايا ابراهيم ليس من السهل أن تكتب عن رجلٍ اختار أن يكون “ضمير الكلمات” …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *