الأربعاء , ديسمبر 3 2025

 الاب فادي تابت .. ما أهداه الأب الأقدس للبنان من دعم ورسالة

شكّلت #زيارة_ قداسة_ البابا _لاون_ الرابع _عشر_ إلى_ لبنان_ حدثًا فريدًا أعاد لهذا الوطن الرازح تحت أثقال الانقسام والضياع نَفَسًا رسوليًا جديدًا. لم تكن مجرد زيارة رعوية عابرة، ولا بروتوكولًا عاديًا اعتادته الدول عند استقبال رؤساء العالم، بل كانت توقفًا روحيًا عميقًا ترك في الوجدان اللبناني بصمة غير قابلة للمحو، وفتح بابًا واسعًا أمام رؤية جديدة للبنان، وطنًا ورسالـة، أرضًا وشعبًا. لقد حملت الزيارة ثقل حضور الكرسي الرسولي بكل رمزيته التاريخية والمعنوية، وفتحت صفحة رجاء في زمن يحتاج فيه اللبنانيون إلى إشارات أمل أكثر من أي وقت مضى.

منذ لحظة وصول الأب الأقدس إلى أرض المطار، عبّر حضوره عن التزام دولي صريح بمساندة لبنان. ومع كل خطوة خطاها في محطات الزيارة الموزعة بين الدولة والكنيسة والشعب، بدا أن الرسالة المركزية واضحة: لبنان، بالرغم من آلامه، لا يزال حاضرًا في قلب العالم، وأن المجتمع الدولي، من خلال الكنيسة الجامعة، لا يترك هذا الوطن لمصيره، بل يرافقه في محنته ويرفع صوته دفاعًا عن كرامته ودوره.

حملت هذه الزيارة إلى اللبنانيين أنفسهم تأكيدًا على أنهم ما زالوا شعبًا قادرًا على النهوض. فبين الصلوات التي رُفِعت في عنّايا، والتأملات التي رافقت الوقوف أمام تمثال سيدة لبنان في حريصا، والاحتشاد الشعبي الهائل في بكركي وساحة الشهداء، بدت الروح الجماعية كأنها تنبعث من جديد. لقد أيقظت الزيارة نوعًا من الذاكرة المشتركة التي يعرفها اللبنانيون في اللحظات المصيرية الكبرى، حين يلتقون على كلمة واحدة: الرجاء.

ولم يكن تأثير هذه الزيارة محصورًا بالشعب فقط، بل امتد إلى الطبقة السياسية. فالحضور البابوي، بكل ما يحمله من ثقل دبلوماسي ومكانة روحية، أعاد وضع لبنان على خارطة الاهتمام الدولي. شكلت لقاءات الأب الأقدس مع كبار المسؤولين اللبنانيين فرصة لتجديد الدعوة إلى اعتماد الحوار، ونبذ الخطابات التصعيدية، والعودة إلى مبادئ الدولة التي يعيش فيها الإنسان بكرامة ويُصان فيها الحق. لقد وضع البابا الإصبع على الجرح البنيوي للبنان، داعيًا إلى مسؤولية وطنية جماعية تستعيد ركائز الدولة ومؤسساتها، وتفتح الطريق أمام إصلاح حقيقي يعيد الثقة إلى مواطنيه وإلى العالم.

أما بالنسبة للشبيبة، وهي الفئة الأكثر جراحًا والأكثر قلقًا على مستقبلها، فقد كانت الزيارة بمثابة ولادة رجاء جديد. كان لقاء بكركي مع الشبيبة نقطة تحوّل حملت أبعادًا نفسية وروحية هائلة. في تلك الباحة التي امتلأت بالأعلام والترانيم، بدا الشباب كأنهم يكتشفون مجددًا أن مستقبل لبنان يُبنى على أكتافهم، وأن بقائهم في أرضهم ليس عبثًا ولا خسارة، بل رسالة. حمل الأب الأقدس إليهم خطابًا فيه الكثير من الصراحة والحنان والواقعية: أن يبقوا، إن استطاعوا، كشهود نور لا كشهود ألم؛ وأن يغادروا، إن اضطروا، كسفراء رجاء لا كهاربين. هذه الرسالة طالت عمق الأزمة التي يعيشها شباب لبنان بين الحنين إلى البقاء والإحباط الناتج عن الواقع، فوضعت أمامهم معيارًا جديدًا يحمل معنى رساليًا لكل خيار يتخذونه.

ولم تقتصر الزيارة على تقديم دفعة عاطفية، بل قدّمت أيضًا دعمًا دوليًا حقيقيًا. فالعالم الذي تابع هذه الزيارة رأى فيها دعوة مباشرة إلى عدم التخلي عن لبنان. أعاد الحبر الأعظم تسليط الضوء على الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، مطلقًا نداءً واضحًا إلى المجتمع الدولي كي يلتزم بمساعدة لبنان على الخروج من محنته. هذا النداء، وإن بدا روحيًا في ظاهره، إلا أنه يحمل ثقلًا سياسيًا كبيرًا، ويضع لبنان من جديد على أجندة أولويات الدول المعنية بالشرق.

وإذا كانت الزيارة قد أحيت الأمل، فإنها أيضًا رسمت خارطة طريق غايتها إعادة تثبيت لبنان كأرض سلام. إن الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الزيارة لإحلال السلام يتجاوز تأثير الكلمات واللقاءات، ليصل إلى إعادة بناء حسّ الانتماء المشترك بين اللبنانيين. ففي بلد أنهكته الانقسامات، شكّل حضور البابا نقطة التقاء روحية بين مختلف الأطياف، ومناسبة لتأكيد أن لبنان لا يمكن أن يعيش إلا حين يلتقي أبناؤه حول مشروع موحّد، لا حول انقسامات قاتلة. حملت الزيارة دعوة إلى اعتماد

لغة الحوار بدل لغة المواجهة، وإلى الاستثمار في الإنسان بدل الاستثمار في الصراعات، وإلى إعادة صياغة العقد الاجتماعي على أساس الكرامة والعدالة والسلام.

وفي ساحة الشهداء، حيث تُرجم هذا النداء بأبهى صورة خلال القداس الإلهي، تلاقى آلاف المؤمنين تحت راية واحدة: أن لبنان يمكن أن ينهض متى قرر أبناؤه أن يعودوا إلى هويته الأساسية، هوية الأرض المباركة والشهادة الحيّة للإيمان. تلك الساحة، التي حملت في تاريخها صرخات الألم والحرية، تحوّلت في ذلك النهار إلى مساحة صلاة موحّدة، فيها ارتفع لبنان بأعين العالم، وفيها ولدت إمكانية السلام من جديد.

مع مغادرة الأب الأقدس الأراضي اللبنانية، بقيت آثار الزيارة معلّقة في الهواء وفي القلوب. ترك البابا لاون الرابع عشر وعدًا بأن الكنيسة لن تتخلى عن لبنان، وأن العالم، إذا سمع النداء، يمكن أن يسهم في إنهاضه من كبوته. بقيت كلمات الرجاء تتردد في ضمير الشباب، وبقيت دعوته للسياسيين علامة مساءلة أمام التاريخ، وبقيت صلاته فوق هذه الأرض بركة تُسكب على مستقبل لم يولد بعد.

وهكذا، انتهت الزيارة، لكن رسالتها لن تنتهي. فقد حملت معها ما يحتاجه لبنان اليوم:

إيمانًا يعيد للإنسان قيمته

ورجاءً يفتح الطريق،

وسلامًا يصير مشروعًا لا حلمًا،

وبشارةً بأن لبنان، مهما انكسر، يبقى وطنًا يليق أن يُحب، وأن يُصان، وأن يُبنى من جديد.

شاهد أيضاً

المستشار هيثم عباس يحتفل بعيد ميلاده بحضور كوكبة من أبرز الإعلاميين والشخصيات العامة

احتفى #المستشار_ هيثم_ عباس_ بعيد ميلاده في أحد الفنادق الكبرى، وسط أجواء راقية جمعت نخبة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *