الخميس , أكتوبر 16 2025

كرافتة وسجادة شهدتا على مقتل المخرج نيازي مصطفى !!

الهاتف الأرضي داخل الشقة رقم 12 بالعقار رقم 1 شارع قرة بن شريك – ليلة 19 أكتوبر عام 1986- كان يرن بصورة متكررة.. الساعة الآن ما بين العاشرة والحادية عشرة مساءً! الرنين يتواصل وسط الصمت الساكن بين الجدران!
رنيناً متواصلاً 
الهاتف مازال يواصل رنينه.. ولكن لا مجيب! على الجانب الآخر #السيناريست_ عبد_ الحي _ أديب _ والد_ عماد_ الدين_ أديب_ وعمرو _أديب _ يمسك بالسماعة في انتظار أن يرد عليه صديقه #المخرج_ نيازي_ مصطفى.. المحاولة تتكرر..لكن لا أحد هنا غير الذكريات الحزينة، والحكايات الجميلة وبينهما الموت!
عبد الحي أديب يضع السماعة معتقدًا أن صديقه نام مبكرًا على غير عادته هذه الليلة.. إلا أن الذي لم يكن يعتقده أنه قتل مخنوقًا ( حسبما جاء في تقرير الطب الشرعىي) ما بين الساعة الثامنة والتاسعة من مساء تلك الليلة ( أي قبل اتصاله بساعة تقريبًا ) بعدما قام القاتل بتقييد يديه خلف ظهره بكرافتة وكمم فمه “بفوطة” ولف “مفرش وسادة” حول رقبته، لكتم أنفاسه تمامًا، داخل حجرة نومه. حدث ذلك بعدما باغته القاتل بعدة لكمات موجعة، ونافذة، ومتتابعة، ومتلاحقة أدت إلى سجحات حول رقبته، وجرح نافذ في يده اليمنى، وآثار دماء على فمه (ربما بسبب مقاومته الشديدة) ليفارق الحياة بعدها بدقائق!
الآن الهاتف توقف عن الرنين! فيما ظلت عيني زوجته الفنانة كوكا تنظر بصرامة، وجهامة، للقاتل من برواز لوحتها المعلقة في الصالون لحظة هروبه بجريمته البشعة!
الجريمة
القاتل الآن يغادر بطريقة طبيعية مثلما دخل إلى الشقة بطريقة طبيعية (حسب وصف رجال الأمن في التحقيقات) فيما ظل بندول ساعة الحائط المعلقة بالقرب من اللوحة يتأرجح معلنًا عن وصول الساعة إلى العاشرة من مساء تلك الليلة الحزينة والأخيرة في حياة المخرج نيازى مصطفى في شقته – وفي الحياة – والتي جرت أحداثها وكأنها مشاهد درامية، إجرامية، لوقائع جريمة خيالية، حدثت بالفعل في الواقع مثلما تحدث في السينما التى تميز فيها نيازي مصطفى  كمخرج قدير بعشرات الأفلام البوليسية، والخيالية، والأكشن!
في اليوم الثاني
عند الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي كان الخادم محمد عبدالله (طباخ) نيازي مصطفى ” أو البروف” كما كان يطلق عليه في الوسط الفني يصعد السلم الخلفي كعادته كل صباح من الساعة الثامنة صباحًا وحتى الساعة الثامنة مساءً، ليعود بعدها إلى مسكنه!.
الخادم الآن وصل للطابق الثالث وبدأ يضع نسخة المفتاح في الباب ( باب الخدم ) كالمعتاد لكن الباب مغلق من الداخل على غير العادة. حاول عدة مرات وعندما فشل عاد لمدخل العمارة وصعد حتى وصل إلى باب الشقة الرئيسي، وضغط على جرس الباب لكن لا أحد يجيب، انتظر قليلًا وعاود التجربة وطرق الباب عدة طرقات أخرى.. لكن لا أحد يجيب.
أسرع وكثف من وتيرة طرقه حتى سمعت سيدة عجوز تسكن في الطابق الأسفل الصوت فصعدت تستكشف الأمر. سألته: « خير يا عبدالله» رد: « أبدًا يا ست هانم..الباب الخلفي مغلق من الداخل.. وجئت لهذا الباب أطرق عليه ولكن نيازي بيه لا يرد عليا !» سكتت قليلًا قبل أن تقول في دهشة: ” ليلة أمس ما بين الساعة الثامنة والتاسعة مساءً سمعت أصواتًا غريبة داخل شقته مع وجود سقوط شديد، وارتطام مسموع، واستمر هذا الوضع (وكأنها خناقة) لمدة عشر دقائق ثم هدأت الأصوات تمامًا”.
هز الطباخ رأسه ثم واصل طرقه؛ فيما عادت السيدة إلى شقتها وأغلقت الباب!
نيازي وزوجته كوكا
كوكا الحب الكبير
بعد دقائق بدأ الطباخ يشعر بالحيرة والاضطراب خاصة والمخرج نيازي مصطفى يعيش بمفرده منذ سنوات بعيدة بعد رحيل زوجته كوكا (اسمها الحقيقي ناجية إبراهيم بلال والتي ماتت عام 1979 وعمرها لم يتجاوز 61 عامًا)، وكانت كل شيء في حياته منذ عرفها عام 1937 عندما كانت تشاركه العمل ، كمساعدة مونتير في ستوديو مصرـقبل اتجاهه للإخراج الذي بدأه بفيلم “سي عمر” بطولة نجيب الريحاني.. وانتهى بفيلم “القرداتي” بطولة فاروق الفيشاوي قبل مقتله بأيام قليلة. وما بين «عمر» و«القرد» قدم للسينما ما يقرب من 140فيلمًا أشهرها “طاقية الإخفاء وفتوات الحسينية ورصيف نمرة خمسة وجناب السفير و 30 يوم في السجن وأخطر رجل في العالم وفضيحة في الزمالك والمنحرفون وأنكل زيزو حبيبي والعتبة جزاز ووحوش الميناء والتوت والنبوت ورابعة العدوية ودماء على النيل والبحث عن فضيحة وغيرها من الأعمال السينمائية الشهيرة”
وظلت الفنانة كوكا بالنسبة له تُعد أجمل وأعظم امرأة عرفها في حياته. وعندما سٌئل عام 1958 عن سر حبه لها، وتمسكه بها منذ ارتباطهما. قال:«كوكا إنسانة قلبها طيب، وليس عندها خبث النساء المعروف والمعتاد. وهي إنسانة أصيلة بطبعها. تقول الصدق ولا تكذب أبدًا. وبداخلها حنان يجعلني أزداد كل يوم تعلقًا بها» أما هي فردت على من كان يسألها عن سر استقرار بيتها طيلة هذه السنوات رغم تعدد علاقات ومعارف نيازي مصطفى النسائية كما كان يشاع فى الوسط الفني حينذاك كانت تقول:« في رأيي الرجل ما هو إلا طفل كبير.. ولو فهمت المرأة أن وظيفتها بالنسبة له هي نفس وظيفتها بالنسبة للابن لما كانت هناك زيجات فاشلة في المجتمع»!

وبعد فترة من الزواج والاستقرار علم انها لا تستطيع الانجاب فقد اكد له الاطباء استحالتها مما دفعها أن تطلب من زوجها ان يرتبط بامرأة اخري تستطيع ان تنجب له.. و قرر أن يرتبط نيازى من الراقصة نعمت مختار ولكنه لم يحقق حلم الانجاب ليعود مجددا إلى زوجته الأولى كوكا ويعيش معها ما تبقى من عمرها بعد أن علم بمرضها حيث أصيبت بالسرطان لتفارق الحياة بعد فترة وجيزة.

لا احد يجيب !!

الخادم عبدالله مازال أمام باب الشقة يواصل طرقه.. لكن لا أحد يجيب! بعد دقائق ترجل على السلم مسرعًا في طريقه إلى منزل شقيقته الحاجة زينب (كانت تسكن في منيل الروضة)! على السلم فتحت الجارة العجوز بابها فجأة وسألته:
« رد عليك.. يا عبدالله؟»
قال:« لا يا ست هانم.. والآن سأذهب إلى منزل شقيقته حتى أبلغها بالأمر». هزت العجوز رأسها وهي تقول:«بسرعة يا عبدالله»! ثم دخلت إلى شقتها وأغلقت الباب!
عاد الخادم مسرعًا ومعه نسخة من مفتاح باب الشقة الرئيسي (النسخة الاحتياطية) التي كانت عند شقيقته وفتح باب الشقة ودخل إلى الصالة.. وبدأ ينادي:«يا نيازي بيه.. يا نيازي بيه»! المدخل يبدو عاديًا باستثناء السجادة وجدها في غير مكانها. ترجل فوقها عبدالله بهدوء في الممر المؤدى إلى غرفة الاستقبال وهو يواصل نداءه بصوت مرتبك:« يا نيازي بيه.. أنت فين؟!» لكن لا أحد يجيب! تقدم خطوات أخرى في طريقه إلى حجرة النوم حتى لمح بابها مفتوحًا. طرق عليه طرقات قليلة.. تحرك الباب في يده حتى فُتح على مصراعيه!
نيازي مقتولاً
من مكانه رأى نيازي بيه ملقى على الأرض بجوار السرير بالقرب من دولاب ملابسه.. صرخ وهو يجري إليه مرتعدًا من شدة الصدمة «يا نيازي بيه.. يا نيازى بيه»! الآن اكتشف الخادم الجريمة. بعد دقائق من الارتباك أسرع إلى الهاتف، واتصل بشقيقه الأصغر جلال مصطفى (كان يعمل في المونتاج السينمائي) وأبلغه بالخبر الصادم والمؤلم. ثم اتصل بالشرطة التي حضرت على الفور!
وبدأت سلسلة من التحركات للوصول إلى الجاني وقامت النيابة باستدعاء ما يقرب من 20 امرأة متزوجة لمباشرة التحقيق معهن لوجود أسمائهن مسجلة في أجندة المجنى عليه ( بعضهن طلقن فور خروجهن من أمام جهات التحقيق) كما تم استجواب ما يقرب من 100 كومبارس وفنان وشخصية عامة رأت النيابة أن هناك صلة تربطهم بالمجني عليه!
تحقيقات وقضية ضد مجهول
ورغم كل هذه التحركات الأمنية، والتحقيقات اليومية الدائمة والمستمرة، إلا أن الغموض ظل مسيطراً على المشهد، وخيوط وخطوط الجريمة متشابكة ومتعارضة مما جعل ما يؤكده البعض بالليل ينفيه البعض الآخر بالنهار خاصة بعدما أكدت تقارير المعمل الجنائي وخبراء الطب الشرعي أنه تم العبث بمسرح الجريمة  بسبب نقل الجثة  من الأرض إلى السرير، الأمر الذي تسبب في إضاعة معالم الجريمة وصعب مهمة البحث الجنائي لوجود بصمات متعددة في المكان، واكتشاف بصمة مجهولة لسيدة داخل الشقة!
وبعد ثلاثة شهور وبالتحديد فى 15 يناير/كانون الثاني 1987 تم إغلاق المحضر وقيدت القضية ضد مجهول،وظلت أسباب وفاة المخرج نيازي مصطفى من أكثر الجرائم غموضًا حتى هذه اللحظة، وهو المخرج الذي ترك وراءه إرثًا فنيًا يتجاوز 100 عمل فني.

شاهد أيضاً

توفيق الدقن لمصطفى العقاد: “طب كنت خليني أبو لهب!!”، وابن شقيقه يرد على الشائعة!

منذ فترة طويلة والسوشيل ميديا تتناول قصة لقاء #المخرج _العالمي_ مصطفى_ العقاد_ بالفنان _الكبير_ توفيق_ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *