كتبت/ ابتسام غنيم
#ماتت_ يمنى_ شري_ ماتت البسمة الحلوة، والصديقة الطيبة، الاعلامية “المهضومة”.. ماتت رفيقة السنين الصعبة والكفاح، معها سجلت اجمل الحوارات، وعنها كتبت احلى المقالات، لان برامجها واطلالتها كانت سابقة لعصرها، كنا “نتساير ونمزح ونضحك وتقول لي انتي متلي برجك الجدي نحنا شطار”.. بالفترة الاخيرة باعدتنا الظروف عن التواصل بحكم اوضاع البلد، وسفر يمنى الى كندا، واقامتي مابين مصر ولبنان، لكنها والله على ما اكتب شهيد كانت دائماً ببالي بضحكتها الحلوة وروحها الطيبة..

يمنى لبنانية حتى النخاع
من يعرف يمنى عن قرب كان يلمس مدى حبها للبنان ولـ اللبنانيين على مختلف طوائفهم ودياناتهم، مرة لم تسأل “انت من اي منطقة؟” كانت تمثل #لبنان_ بضحتها ومرحها وتواضعها ولتبيان كل ما هو جديد وقيم من خلال الاعلام.. كانت لبنانية حتى النخاع وتعشق تراب #بيروت_ وهي ابنة قرية “خربة سلم” وبنت رأس النبع وتلميذة المقاصد.. ومن يعرف يمنى جيداً يعي تماماً انها بقدر ما كانت مرحة، الا انها وقت الازمات كانت اعلامية تطرح المواضيع الحساسة بنكهتها الخاصة بلا استهلاك ولا تجارة.. ففي عز الثورة عام 1919 كتبت يمنى يومها بوست حول محاولات لشراء ذمم الاعلاميين والصحفيين ليشاركوا في حملات الكذب والتزوير والتشويه وعلقت:” عم ينعرض علييّ المال لنشر مقال، تويت، رأي افكار مش لألي، هيك ببلش الاعلام المأجور 3200$ بالشهر بتعرفو قديه يعني على اللبناني هلق؟ عم نتعرض للبيع والشراء اعلامياً، قلمنا صورتنا وصوتنا عم يتعرضوا للبيع مستغلين الوضع الاقتصادي المأزوم، الاعلام ووسائل التواصل بخطر”، وارفقت تعليقها بصورة عن احدى المراسلات التي تريد شراء ذمتها.. وفي بوست آخر كتبت يمنى:” عام 2014 طلب مني احدهم ان اعطيه الرقم السري لصفحتي على تويتر، ليعطيني بالمقابل بطاقة مصرفية ليست بأسمي ولكنها تبقى معي صالحة لاسحب اسبوعياً 800$ نقداً بشرط ان لا اتدخل بما ينشر عليها وطبعاً رفضت ” وارفقت يمنى البوست بصورة عن المراسلة.. هذه هي #يمنى_ شري_ اللبنانية_ الحقيقية التي لا تناور حول المبادئ والقيم الوطنية والانسانية، ولا تبيع وطنها بحفنة دولارات مهما عصفت بها الظروف المادية

يمنى والقضية الفلسطينية
واذكر قبل سنوات خلال الانتفاضة الفلسطينة التي حصلت عام 2000، كانت يمنى تقدم برنامجها الاسبوعي ” القمر ع الباب” وطلت يومها وهي ترتدي الكوفية الفلسطينية واتسمت حلقتها بطابع الجدية وتناول #مأساة_ فلسطين_ والشعب_ الفلسطيني_ ويومها اثنيت على حلقتها عبر مقال في صحيفة “الشرق” ، لاتفاجأ بها تزورني بمكتبي وتشكرني وتقول لي بحزن :” في الوقت الذي اثنيتي على حلقتي عن فلسطين ، احدى الصحف عمدت الى التجريج بي وكيفية ارتدائي الكوفية معتبرين اني استعرض وابالغ”.. يومها تكلمت بألم عميق ونفت عن نفسها تهمة الاستعراض والمتجارة بقضية فلسطين وقالت:” من يستطيع ان يقوم بشيء فليباشر حتى لو كانت خطوته صغيرة من اجل مساندة الشعب الفلسطيني المضطهد”.. واضافت:” سعدت بما كتبتب عني في “الشرق” لاني تعمدت بعد اندلاع #الانتفاضة_ ان اجير البرنامج لصالحها أسوة ببقية البرامح التي تناولت القضية لاقول كلمتي بحرية، ومع ذلك لم اسلم من التجريح واتهموني بالاستعراض والتبجح، ومن هنا ارى ان ما نعانيه اليوم وما نتعرض له نحن العرب من مآسٍ، يرجع لافتقادنا الرؤية الواضحة، مع العلم ان كل ما قام به العرب اليوم من تظاهرات وبرامج ومقابلات ذهب ريعها لصالح الانتفاضة، له مردوداً جيداً، خصوصاً اذا وصل الى وكالات الانباء العالمية وتطلعت اليها الشعوب الغربية ، لانه ليس من العدل ان نخاطب انفسنا وكفى”.

*(وسألتها) اذن الفن والاعلام الفني برأيك جزء لا يتجزأ من القضية؟
-طبعاً خصوصاً اذا ما جُيّر جهوده في الاتجاه القومي ، والاخذ بيد الهمم لتوعية الشعوب الغربية، وأنشالله فأن الغد سيكون افضل من اليوم طالما النضال مستمراً”..
الانتفاضة حصلت قبل دخول السوشيل ميديا الى مجتمعاتنا، لكن يمنى بحدسها وثقافتها كانت تجزم ان الغرب سيتضامن مع القضية ،ويعترف من ان فلسطين حرة(وهذا ما نشهدة اليوم)، وهذا يعود لثقافتها وان كانت لا تقدم البرامج السياسية ، الا انها كانت من شخصية وطنية وداعمه للشعب الفلسطيني المضطهد.
حرب العدو على الجنوب ورد يمنى على الشماته
العام الماضي وعقب اندلاع #الحرب _على_ الجنوب _اللبناني _ نشرت يمنى بوست جاء فيه:”فقت على اخبار الجنوب عم يحترق، والبغض التافه من الحاقدين والمنافقين الكارهين لانفسهم شمتانين بحريق قطعة من ارض بلدنا.. شياطين الارض الي عايشين بيناتنا، ما شفت اوطى من هيك، اللهم اكفنا شر خلقك واحم لنا لبنان من شماله لجنوبه، برداً وسلاماً يا جنوبي يا حبيبي يا جنوب”.. هكذا ردت يمنى بنت “خربة سلم” على شماته وفرحة من يعادي الجنوب، فالحرب كانت مع العدو الهمجي الذي لا يرحم الانسانية.. هكذا كتبت يمنى التي كانت تحمل بوجدانها وقلبها وروحها وكلها كل بقع اراضي لبنان وهي بالغربة، عبرت عن وجعها على لبنان وهي ببلاد الاغتراب، والغربة كانت تزيدها تعلقاً بلبنان، وتحلم بالعودة اليه وتجد فيه الاستقرار والامان.
يمنى الضحوكة .. الخذلان والقهر
مرض السرطان هزم يمنى وغيبها الموت، لكن الحقيقة ان المرض لم يقتلها، لان روحها جُلدت كثيراً وهي بعز مجدها وألقها، ليأتي الخذلان ويقتلها ، استبعدوها عن تلفزيون “المستقبل”، وقبلها اختلفت مع زميلٍ لها تهجم عليها وشتمها ولم يحرك احداً ساكن يومها ، ليعود ويأتي التعتيم المقصود على وهجها ، كسرها القهر وصمتت وغادرت لبنان لتطل علينا مرة كل اسبوع عبر “الجديد” من هناك ، واليوم ينعونها ويضعون صورهم معها متجاهلين انهم قهروا روحها وقتلوها قبل ان يداهمها المرض ويقضي على شبابها وضحكتها النابعة من قلبها البريء..
ارقدي بسلام يا يمنى فالارض لم تتحمل بسمتك الحلوة، لكن السماء ستسعك وابتسامتك التي ستظل ترسم على وجوهنا الامل كلما تذكرنا ضحكاتك التي كانت كالموسيقى في حياتنا ودفء ذكراك سيبقى في قلوبنا.. الى جنان الخلد#يمنى_شري_