السبت , يوليو 19 2025
أخبار عاجلة

السلطة كما لم نرها من قبل.. قراءة في كتاب “قضايا السلطة في الاجتماع والدين” لحسين أبو رضا

كتبت /دكتورة ليلى شمس الدين (باحثة في الأنثروبولوجيا والإعلام)

هل يمكن أن نعيد التفكير بمفهوم السلطة دون أن نعيد إنتاج الأيديولوجيات الجاهزة أو التبعية للأنظمة الفكرية السائدة؟ وهل للثقافة العربية والإسلامية أن تقدّم فهمًا مختلفًا للعلاقة بين الاجتماع والدين والسياسة، دون الوقوع في الاستنساخ أو الانغلاق؟
هذه الأسئلة وغيرها تشكّل الخلفية العميقة لكتاب “#قضايا_ السُلطة_ في_ الاجتماع_ والدين_“، الصادر حديثًا عن دار الولاء للطباعة والنشر في بيروت، وهو الإصدار الثالث للأستاذ الدكتور حسين أبو رضا، الباحث والكاتب المختص في الشؤون الفكرية والاجتماعية.
لا يُقارب الكتاب السلطة بوصفها مجرد بُنية سياسية أو جهازًا يحكم، بل يتعامل معها كشبكة من المفاهيم والخطابات والعلاقات التي تبدأ من اللغة، مرورًا بالأفكار، وصولًا إلى البُنى الاجتماعية والدينية التي تنتج المعنى وتبرّره. بهذا المعنى، يحاول الكاتب بلورة مقاربة معرفية تساعد على فهم كيف تتسرّب السلطة إلى نسيج الحياة اليومية، والفكر والدين والمجتمع، سواء في الوعي العربي أو الإسلامي.
يعتمد أبو رضا في مشروعه الفكري هذا على بناءٍ تحليليّ متين، يستخدم فيه منهجًا سوسيولوجيًا وأنثروبولوجيًا مركّبًا، ويختار شخصية #الإمام _علي_ بن_ أبي _طالب_ (ع) كنموذج مركزي لتحليل تصوّرات السلطة، لما تحمله هذه الشخصية من معانٍ رمزية وفكرية وتاريخية، تتيح قراءة غير تقليدية للمفاهيم السياسية في التراث الإسلامي.
ومع ذلك لا يقع الكاتب في التقديس، بل يُقارب الإمام علي كفيلسوف اجتماعي ورجل دولة يحمل في خطابه بذورًا لمفهوم عادل ومتوازن للسلطة. فالإمام، كما يرى أبو رضا، لم يُمارس الحكم بوصفه قوّة، بل بوصفه مسؤولية أخلاقية نابعة من الحق، ولذلك فإن استحضاره هنا ليس من باب المثال الأعلى بل من باب التحليل السياسي والأخلاقي.
وفي موازاة المقاربة الإسلامية، لا يُغفل أبو رضا الرؤية الغربية للسلطة، بل يقارن ويُحاور بين السياقين، محاولًا البحث عن مساحات مشتركة أو نقاط اختلاف تكشف عن طبيعة التصوّر السلطوي في كل ثقافة. فالكتاب لا ينغلق داخل خطاب ديني، ولا يذوب في التنظير الغربي، بل يسعى إلى مسار ثالث يقوم على مساءلة المفاهيم، وتفكيك بنيتها، وإعادة تركيبها في ضوء حاجات مجتمعاتنا المعاصرة.
من أبرز ما يقدّمه الكتاب هو تركيزه على أنواع السلطة الرمزية: سلطة اللغة، سلطة الفصاحة، وسلطة الأيديولوجيا. فاللغة، كما يقول الكاتب، ليست وسيلة تعبير فحسب، بل هي أداة عنف رمزي تُمارس السلطة من خلالها هيمنتها الناعمة. والأيديولوجيا ليست مجرد أفكار، بل تُصبح إطارًا قهريًا يُنتج المعنى داخل المجتمع.
فهل نحن بحاجة إلى إعادة هندسة فكرية لمفاهيم السلطة والدين والمجتمع؟ وما الذي يمكن أن تقدّمه مقاربة معرفية جديدة لفهم تداخل الاجتماع السياسي والديني في ثقافتنا؟ أسئلة عديدة يطرحها الكاتب، فيضفي عليه قوّة تتبلور في قدرته على كشف العنف الكامن في ما يبدو مألوفًا أو بريئًا.
في هذا الإطار، اعتمد الكاتب الأسلوب الهادئ، والتحليلي المشبع بأسئلة عميقة. فهو لا يدّعي امتلاك أجوبة نهائية، بل يطرح مشروعًا تأمليًا، يعيدنا إلى جذور المفاهيم السياسية في الفكر الإسلامي، لا لنكرّرها، بل لنسائلها ونستخرج منها ما يُمكن أن يُعيد توازن الفكر مع الواقع.


في عالم يعجّ بالخطابات السلطوية، السياسية والدينية، التي تسعى إلى فرض تفسير واحد للواقع، يأتي كتاب «قضايا السلطة في الاجتماع والدين» ليقترح علينا قراءة متعدّدة الطبقات للسلطة، تنطلق من القلب النابض للثقافة، وتتّجه نحو تفكيك أعمق لما نظنّه بديهيًا.
انّه كتاب ليس فقط للقراءة، بل لإعادة التفكير. فهل نحن مستعدّون لمثل هذا النوع من التفكير؟ وهل نحن قادرون على الخروج من سلطة السلطة؟ هذا ما يدفعنا أبو رضا للتفكير فيه دون أن يفرض علينا أي جواب.

 من هو الأستاذ #الدكتور_ حسين_ أبو_ رضا_؟
* حائز على شهادة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية من الجامعة اللبنانية.
* أستاذ في مجال علم اجتماع السياسة، والتنمية السياسية في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية.
* رئيس مركز الأبحاث في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية.
* مختص في علم الاجتماع الديني، وعلم اجتماع المعرفة.
* أشرف وناقش العشرات من الأبحاث العلمية من رسائل الدكتوراه والدبلوم والماستر في العلوم الاجتماعية، والسياسية، والحقوقية، والقانونية والآداب.
* مستشار في المجال السياسي والبحثي.
*مختص بالأحزاب والحركات الإسلامية والخطاب الفكري الصادر عنها، لا سيّما في لبنان والعراق وإيران ومصر وفلسطين.
*عضو مؤسّس في التجمّع الأكاديمي في لبنان لدعم فلسطين.
* عضو محكّم في أكثر من مجلة علمية لبنانية وعربية.
* شارك ورأس مؤتمرات وندوات علمية عدّة في لبنان والخارج.
* لديه عشرات الأبحاث المنشورة في المجلاّت العلمية.
* نشر له: التربية الحزبية الإسلامية (2012)، ولبنان من إيرفد إلى مكانزي (2019)، قضايا السلطة في الاجتماع والدين (2025)، وقضايا المواطنة والدولة في الاجتماع والدين (تحت الطبع).

شاهد أيضاً

فرنسوا الحلو:”حين يتفلسف الغُشماء….”

بقلم // فرنسوا الحلو يأتينا بعض “المُتفلسفين” من #الغُشماء_ التعساء_ الضعفاء _في حجّتهم ولهجتهم، في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *