كتبت/ مايا ابراهيم
في زمنٍ تشتدّ فيه الضوضاء، ويتراجع فيه المعنى أمام البريق، يظلّ اسم #طارق_ تميم_ علامة فارقة في مشهدٍ بات يعاني من الاستنساخ. ليس لأنه أكثر حضورًا، بل لأنه أكثر غيابًا عن كل ما هو سطحي وعابر. ممثل لا يسعى إلى النجومية، بل يذهب إليها من حيث لا يتوقّع أحد: من باب الصدق، ومن عمق التجربة.منذ خطواته الأولى، لم يُعامل المسرح كمنصة عرض، بل كمساحة مواجهة. هناك، مع زياد الرحباني، لم يكن مجرد شابٍ صاعد، بل ممثلًا وجد نفسه في مرآة النص، ونصًا وجد صوته في جسد ممثل. في “بخصوص الكرامة والشعب العنيد” و”لولا فسحة الأمل”، لم يكن الأداء تقنية، بل صدًى لوعيٍ نادر، وموقف لا يُخضعه المشهد لأثره العابر.المسرح لم يكن محطة عبور، بل بيتًا. وحتى حين غاب عنه، بقي جزءًا من تكوينه، يظهر في نبرته، في إيقاع جسده، وفي تلك المسافة التي يتركها بين الكلمة والحقيقة. عودته في مسرحية “تحت رعاية ذكور” كانت عودة من لم يغادر أصلًا، ممثل يحمل همّ النص، ويُفكّكه على الخشبة بألم ساخر يشبه واقعًا لا يتزيّن.

في التلفزيون، لا يختار الأدوار بقدر ما يختار الأسئلة. وحين عاد في “النار بالنار” بعد غياب طويل، لم يأتِ ليستعرض، بل ليترك أثرًا. أداؤه كان كأنّه يكتب الشخصية من الداخل، لا يقرأها من ورق. حضوره لا يعتمد على المساحة، بل على الجاذبية الهادئة التي تجعل من المشهد لحظة كاملة.أما السينما، فقد احتضنته بخجل، واحتواها بثقة. في “Taxi Service” مع إيلي خليفة، ارتقى بالأداء إلى مستوى نادر من التقمّص الصادق، حتى استحق جائزة دولية على هذا الدور. في “طيف المدينة” للراحل جان شمعون، قدّم تميم أداءً نابعًا من التماس الحميم مع ذاكرة الحرب، مجسّدًا شخصية تنتمي إلى وجدان بيروت بتناقضاته، وترك أثرًا لا يُنسى. في “Nuts” لهنري بارجيس، تجاوز اللغة إلى جوهر الدور، كأن التمثيل عنده لا وطن له إلا الصدق. وفي “Arzé” و”Taxi Ballad” وظهوره الخاص في “Paparazzi”، واصل تقديم شخصيات تُقرأ لا كمجرد أدوار، بل كمواقف متراكمة، يُمكن تصديقها حتى في الصمت.هو ابن بيروت، لا بالهوية فقط، بل بالتناقض، بالحيوية، بالشغف والخذلان معًا. لا يُتقن تمثيل الجراح، بل يحملها. لا يُحبّ الكلام الكثير، لكنه، في لحظات نادرة، يضع إصبعه على جرح الدراما: تجاهل النصوص الجيدة، تهميش الكتّاب الجدد، وخضوع الإنتاج لمعادلات السوق. يشير إلى مايا سعيد مثل من يحرس نارًا صغيرة في بردٍ كبير.
طارق تميم ليس نموذجًا يُكرَّر، لأنه لم يُصنع على مقياس النجاح التجاري. هو ذلك الممثل الذي تلتقي فيه الموهبة بالوعي، والخشبة بالرصيف، والتقنية بالحياة.
يشتغل على الدور كما لو أنه يرمّم وجعًا شخصيًا.
وحين يغيب، لا يُعوَّض.
وحين يعود، لا يحتاج إلى تمهيد.